أرسل الى صديق عبر البريد الألكتروني

على هامش ملتقى سوق رأس المال تحديث الحوكمة وتفعيل ملف الإصلاح مرهون بقرار صريح على مستوى القيادة السياسية

2007-10-02
بقلم: الدكتور هشام عوتاني
حقق المؤتمر الذي عقده سوق فلسطين للأوراق المالية قبل بضعة أيام نجاحاً كبيراً بكل المقاييس، خاصة من حيث عدد المشاركين فيه ومستوى الأوراق التي قدمت وجدية النقاش الذي ساد جلسات المؤتمر. ولقد كانت الجلسة الخاصة بالحوكمة والإصلاح المؤسساتي هي أحد أكثر جلسات المؤتمر حيوية، خاصة بسبب أنها تمس بعض أهم المشكلات التي تعانيها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية على حد سواء.
لقد قدّمت في الورشة الخاصة بالحوكمة مداخلتان، إحداهما حول الجهود المبذولة لإعداد مدونة خاصة بقواعد الحوكمة في فلسطين، والثانية تركزت بشكل خاص على مشكلات الحوكمة في الجهاز المصرفي. ويتضمن هذا المقال بعض الملاحظات المتعلقة بالمداخلات التي قدمت في هذه الجلسة والنقاش الذي تلاهما.
1. إن إعداد مدونة خاصة بقواعد الحوكمة في فلسطين، كما جاء في إحدى الأوراق، هو إنجاز هام يمكن أن يخدم أهدافاً ارشادية وتثقيفية تساعد في تسريع عملية تطوير مستوى الحوكمة في المنشآت التجارية ومؤسسات القطاع الخاص. ولكن يجب أن نتذكر، من الناحية الأخرى، بأن الخبرة السابقة قد أثبتت بأن وضع الأحكام والمبادىء على الورق لا يشكل ضمانة للتطبيق الفعلي، إذ أن هنالك الكثير من القوانين والقرارات التنظيمية التي صدرت سابقاً والتي لم تطبق. ومن المرجح بأن يكون مصير لائحة الحوكمة في فلسطين هو أن تصبح مجرد تقرير جديد يضاف للعديد من التقارير والدراسات التي يقوم بها عدد لا يحصى من المؤسسات المحلية والدولية.
إن ما هو أهم من تطوير لائحة للحوكمة هو خلق إجماع وزخم وطني لتفعيل أداء المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ذات التأثير المباشر على قضايا الحوكمة. فهل هنالك داع للانتظار حتى إعداد لائحة الحوكمة لكي تمارس هيئة سوق رأس المال ومراقب الشركات والجهاز القضائي في فلسطين أدوارها المناطة بها بحكم القانون؟ ثم كيف يمكن أن نتحدث عن تطوير الحوكمة في ظل الانفلات الأمني المستشري في فلسطين، والذي أصبح يهدد المواطنين والشركات في أنفسهم وممتلكاتهم؟ هل نحن بحاجة للائحة الحوكمة لوقف التسيب الأمني الذي ألحق ضرراً بالغاً بالمناخ الاستثماري في فلسطين؟
2. إن الجميع يقدر الجهود الكبيرة التي تبذلها سلطة النقد في تطوير مستوى الحوكمة في الجهاز المصرفي الفلسطيني. ولا شك أن أداء سلطة النقد قد شهد تطوراً كبيراً في هذا المجال، بحيث أصبحت نموذجاً يحتذى من قبل المؤسسات الحكومية الأخرى. ولكن من الناحية الأخرى فإن هنالك بعض الملاحظات الأساسية حول أداء الجهاز المصرفي والتي نرى أنها تشكل مؤشراً سلبياً على مستوى الحوكمة السائد في هذا الجهاز.
ولعل الملاحظة الرئيسية هي أن مستوى الخدمات المصرفية في فلسطين هو دون ما هو موجود في كثير من الدول المجاورة، علماً أن تكلفة هذه الخدمات هي بشكل عام أعلى بشكل ملحوظ من المعدلات السائدة في المنطقة.
وبالطبع، فإنه يمكن للمرء أن يتفهم انعكاسات الأوضاع الراهنة في فلسطين على سياسات البنوك وآليات عملها، إلا أن السبب الأهم للتشوهات الراهنة في الخدمات المصرفية من حيث النوعية والتكلفة هو ضعف مستوى المنافسة في الجهاز المصرفي، والناجم بالدرجة الأولى عن الدور القيادي الذي تلعبه بعض البنوك في السوق المحلي بسبب ضخامة حصتها النسبية من الودائع والتسهيلات الائتمانية.
3. إن مشكلات الحوكمة في فلسطين لا تقتصر على المؤسسات الحكومية والمنشآت التجارية، بل أنها منتشرة بدرجات مختلفة في بعض القطاعات الرئيسية الأخرى والتي تؤثر بشكل أو بآخر على القطاع الخاص. ولعل أهم هذه المؤسسات هي ما يلي:
* هنالك ضعف كبير في مستوى الحوكمة في المنظمات غير الحكومية وفي مؤسسات القطاع الخاص، حيث أن غالبية هذه المنظمات والمؤسسات تعاني هي الأخرى من ضعف في الشفافية وفي آليات تداول السلطة لدى قياداتها.
* كذلك فإن هنالك ثغرات كبيرة في أداء أجهزة الرقابة الداخلية والخارجية في منشآت القطاع الخاص، ويشمل ذلك بشكل خاص عمليات التدقيق المحاسبي ونوعية التقارير المالية التي تصدرها. وبالتالي فإن عمليات الإفصاح التي تمارسها العديد من الشركات الفلسطينية قد لا تعبر بدقة عن أوضاعها المالية الحقيقية.
4. إن تشكيل طاقم وطني للحوكمة يشارك فيه ممثلون عن الجهات الفلسطينية ذات العلاقة هو بلا شك خطوة كبيرة نحو تفعيل الجهود المبذولة لإحداث نقلة حقيقية في مستوى الحوكمة في فلسطين. وبالطبع سيكون من المنطقي أن تلعب هيئة سوق رأس المال دوراً رئيسياً في تنظيم آليات عمل هذا الطاقم ومتابعة تنفيذ قراراته وبرامج عمله.
ولكن مرة أخرى، فإن المؤشر الأساسي لقياس نجاح الطاقم الوطني للحوكمة هو مرتبط في نهاية الأمر بحجم الإنجازات الفعلية على أرض الواقع، إذ أن هنالك تجارب عديدة في فلسطين تشير إلى أن تشكيل اللجان والهيئات يظل في الغالب إنجازاً شكلياً لا يحقق الكثير من الأهداف التي نصت عليها وثيقة التأسيس. وقياساً على التجربة العملية، فإننا نأمل أن يكون لمشاركة إدارة السوق المالي الحالية في هذا الطاقم دوراً ملموساً في تفعيله.
أخيراً، فإنه يجب التنويه إلى أن المشاركون في المؤتمر المذكور قد أكدوا مراراً على أن المتطلب الأساسي لتطوير الحوكمة وتفعيل عملية الإصلاح في فلسطين هو وجود التزام حقيقي لدى القيادة السياسية لفرض القانون والنظام على الجميع، وتفعيل أدوات الرقابة على الأداء لدى جميع المؤسسات الحكومية والأهلية.
ولا شك بأن ما نسمعه بهذا الخصوص من الرئيس عباس ومن رئيس الحكومة د. فياض يتضمن الكثير من المؤشرات الإيجابية بهذا الخصوص. ولكن مرة أخرى، فإن ما يهمنا في نهاية الأمر هو أن نرى الوعود والخطط تتحول إلى إجراءات عملية على أرض الواقع.