كشف مدير عام شركة مطاحن القمح الذهبي، الـمطحنة الوحيدة في الضفة الغربية، جودة الجمل، أن عقود الشركة لتوريد الطحين لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "انروا" وبرنامج الغذاء العالـمي واللجنة الدولية للصليب الاحمر، وراء التراجع الحاد في ارباح الشركة الى حوالي 100 دينار اردني فقط في الاشهر التسعة الاولى من العام الحالي، من حوالي 5ر690 الف دينار في الفترة الـمقابلة من العام الـماضي.
وقال الجمل لـ"الايام": إن التعاقد مع برنامج الغذاء العالـمي على توريد كميات من الطحين لاستخدامها في الـمساعدات التي تقدمها للـمستفيدين تم وفقاً لاسعار القمح في شهر تشرين الثاني من العام الـماضي، لكنه سحب هذه الكميات جميعها في آخر اربعة اشهر من العقود، وهي الاشهر التي شهدت ارتفاعاً كبيراً في اسعار القمح عالـمياً.
واضاف "بحسب الاتفاقات كان يفترض ان يسحب هذه الـمنظمات 2900 طن شهريا، وكنا نطالبهم طوال الوقت بسحب كمياتهم في الوقت الـمناسب، لكنهم كانوا يؤجلون سحب هذه الكميات لوجود كميات اخرى تأتي من تركيا، وفي الاشهر الاربعة الاخيرة من العقود سحبوا كل الكميات تقريبا، ما ألحق بنا خسائر وصلت الى 900 الف دولار في عقد برنامج الغذاء العالـمي وحده".
ولا تسمح قدرة الشركة التخزينية باستيراد كميات كبيرة من القمح للوفاء بالعقود الآجلة، ما يضطرها لاستيراد الكميات اللازمة اولاً بأول بسعر السوق عند الاستيراد.
وقال الجمل "رفضت الوكالات الثلاث تغيير العقود لاسباب تتعلق بالتمويل، ومع ذلك التزمنا تماما بتوريد الكميات الـمطلوبة دون مساس بالاسعار، لأن هذه الـمساعدات تذهب لابناء شعبنا. نحن شركة مساهمة عامة تحرص على سمعتها".
واوضح الجمل أن الشركة تبحث مع هذه الوكالات امكانية تعويض الخسارة او جزء منها، "واقترحنا عليهم التعامل معنا في الـمرات القادمة كما يتعاملون مع الكثير من الدول التي يقدمون مساعدات فيها، بأن يشتروا القمح ونقوم بتخزينه في صوامعنا، على ان نقوم بطحنه لصالحهم بحسب احتياجاتهم مقابل النخالة فقط".
لكن الجمل قال، إن الشركة عادت لتحقيق ارباح خلال الاشهر الثلاثة الـماضية، خصوصا مع الانخفاض الـمستمر في سعر الدولار، وهو العملة الرئيسية في عقود استيراد القمح. "ونتوقع ان تصل ارباحنا الى 600 الف دولار مع نهاية العام، لكن لا شيء مؤكدا في ظل الاوضاع الـمتقلبة".
من جهة اخرى، قال الجمل: إن الشركة بدأت تنفيذ مشروع لتوسعة مطحنتها في بلدة برهام شمال رام الله، بكلفة 5ر2 مليون دولار، ويتوقع الانتهاء من الـمشروع في شهر ايار من العام القادم.
وقال: بانتهاء مشروع التوسعة، ترتفع طاقتنا الانتاجية من 300 طن في اليوم الى 450 طناً.
وشهدت الاشهر الاربعة الـماضية ارتفاعا حادا في اسعار القمح والذرة بنسبة تجاوزت 70%، ليصل سعر طن القمح الى اكثر من 430 دولارا من حوالي 250 دولارا، بسبب ضعف الـموسم لدى كبار الـمنتجين كأستراليا وكندا، وكذلك نتيجة توجيه كميات كبيرة من الحبوب لانتاج الطاقة البديلة "ٍايثانول"، وهو مشروع اقترحه الرئيس الاميركي جورج بوش وبدأت الولايات الـمتحدة تنفيذه لتقليل اعتمادها على البترول كمصدر رئيسي للطاقة، وارتفاع تكاليف الشحن، وزيادة الطلب على القمح من قبل الدول الـمستوردة خشية النقص في هذه السلعة الاستراتيجية.
وقابل هذا الارتفاع في اسعار القمح في الاسواق العالـمية ارتفاع كبير في اسعار الطحين الـمحلي في الاراضي الفلسطينية، من 90 شيكلا للكيس الواحد سعة 60 كيلوغراما في ارض الـمطحنة، الى 170 شيكلا، ليصل الى الـمستهلك بـ210 شواكل.
وتقدر حاجة الاراضي الفلسطينية من القمح بحوالي 700 ألف طن سنويا، جميعها تقريبا تستورد من الاسواق العالـمية.
لكن الجمل شكك بعدالة اسعار الطحين للـمستهلك، كاشفا عن ان تجّاراً طلبوا كميات كبيرة مع بدء ظهور مؤشرات على ارتفاع كبير في اسعار القمح في بداية النصف الثاني من العام الحالي، "لكننا رفضنا لاننا بكل بساطة لا نملك مخزونا يكفي للوفاء بهذه الطلبيات الكبيرة، فلجأوا الى الـمطاحن الاسرائيلية، التي تملك طاقة تخزينية كبيرة، وتعاقدوا على كميات كبيرة وصلت الى الف طن للتاجر الواحد بالاسعار القديمة، ويسحبون منها حسب الحاجة ويبيعونها بسعر اليوم".
وانتقد الجمل قرار الحكومة الفلسطينية سحب عطاء اعلنته في 11 ايلول الـماضي لبناء صوامع لتخزين الحبوب بكلفة 4ر6 مليون دولار من البنك الاسلامي للتنمية، وتوجيه الـمبلغ لـمشاريع أخرى.
وكان رئيس مجلس إدارة الشركة د. عبد الـمالك الجابر وجّـه، في 12 تشرين الأول الـماضي، رسائل الى الدكتور سلام فياض ووزراء: الاقتصاد كمال حسونة، والتخطيط د. سمير عبد الله، والزراعة محمود الهباش، والصحة د. فتحي ابو مغلي بشأن ازمة اسعار الطحين، تضمنت حلولا مقترحة، لكن الجمل قال إن الشركة لـم تتلق اي رد عليها حتى الآن.
ومن بين الحلول الـمقترحة تطبيق الـمواصفة الفلسطينية بشان الطحين الـمدعم على اي طحين يدخل الى الاراضي الفلسطينية، سواء الـمستورد من قبل التجار ام من وكالات الاغاثة الدولية.
وقالت الشركة في رسالتها إن الفحوص الـمخبرية اثبتت ان الطحين الـمستورد من اسرائيل غير مطابق للـمواصفة الفلسطينية، رغم الـمعرفة الـمسبقة للتجار بذلك، مطالبة السلطة بمصادرة هذه الكميات من السوق "ولو لـمرة واحدة".
كما طالبت الرسالة الحكومة بعقد اجتماع طارئ مع مؤسسات الاغاثة الدولية وإبلاغها "بشكل رسمي" بعدم السماح لاية شحنة بالدخول الى الاراضي الفلسطينية الا بعد فحصها والتأكـد من مطابقتها للـمواصفة الفلسطينية، كما طالبت بمنع هذه الـمؤسسات من استيراد اية مواد لها بديل في السوق الـمحلية، "والتوضيح لها ان استيراد مواد لها بدائل في السوق الـمحلية فيه تناقض واضح مع مهام هذه الـمؤسسات الـمتمثل بدعم الشعب الفلسطيني".
واكدت الشركة في رسالتها أنها قدمت عرضاً لـمؤسسات الإغاثة الدولية باستعدادها لطحن القمح مجانا في حال قامت هذه الـمؤسسات باستيراد مادة القمح بدلا من الطحين، كما ابدت استعدادها لتخزين اية كميات تستوردها هذه الـمؤسسات، وطحنها بحسب الحاجة.